الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ،
وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته
القاهرة ،
وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله واغترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله
فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات
المعجزات والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات
صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم
كثيرا أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور
محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ـ
هناك مفهوم عند بعضنا هو مفهوم خاطئ يغالطون فيه أنفسهم بما توحي إليهم عقولهم
الصغيرة.
هذا المفهوم هو قولهم: أن من كان بعيدا عن الأمر المقدس كان أسلم ممن قاربه وهو يقع في
الأخطاء والذنوب وربما حتى الكبائر.
يقول له الشيطان ابتعد ولا تطمس ولا تدنس هذا الأمر فإنه مقدس ، وهي حجة واهية وخطوة من
خطوات الشيطان ليصد الناس عن الهدى والخير والقرب من الله.
ومن ذلك بعد الناس عن القرآن وعن حفظه وقراءته ، ترى أحدهم يقول: أنا هكذا بهذا البعد عن
القرآن خير من ذلك الذي هو حافظ للقرآن ويقترف الخطايا.
والحق انهما لا يستويان أبدا ، فهذا في صدره ما سيذكره يوما بالله فيتوب فهو قليل الخطأ تواب منه
مرارا
وذاك وان كان قليل الخطا فهو بعيد عن التوبة ولا من يذكره.
ذكرت هذا الفرق وهناك فروق اعظم واكثر ، ولكن ليستبين لك أخي القارئ هذه الحقيقة التي بينها
الله لنا في كتابه ، فتتبع معي يا حبيب...
قال السعدي رحمه الله تفسيرا لقوله تعالى:
(قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) المائدة-15-16-
ثم ذكر مَنْ الذي يهتدي بهذا القرآن، وما هو السبب الذي من العبد لحصول ذلك، فقال: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ
مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ}
أي: يهدي به من اجتهد وحرص على بلوغ مرضاة الله، وصار قصده حسنا -سبل السلام التي تسلم
صاحبها من العذاب،
وتوصله إلى دار السلام، وهو العلم بالحق والعمل به، إجمالا وتفصيلا. اه
وهنا قد يقول أمثال هؤلاء: أترى يهدي به الله من اجتهد وحرص على بلوغ مرضات الله وليس ذلك
الحافظ المخطئ.
فنقول له أخطأت بل يهدي به الله من يشاء من عباده ، والقرآن ما دام معك فهو يهديك ويذكرك
وتمعن في الآيات التالية:
(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ
مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) الشورى-52-
قال السعدي رحمه الله
{جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} يستضيئون به في ظلمات الكفر والبدع، والأهواء
المردية، ويعرفون به الحقائق، ويهتدون به إلى الصراط المستقيم.
بل هو في حالة
الخطايا والأهواء المردية يحمل معه ما يهديه ويذكره
(قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ
مُسْتَقِيمٍ) الاحقاف -30-
(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ
نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) الجن -1-2-
فهو هداية لجميع العباد الذين يخالطونه بالحفظ والقراءة والتدبر والإستماع وغيرها
فهل مازلت مصرا على قولك؟ وهل مازلت لا تحرص على حفظ القرآن؟
أقول لك نصيحة لوجه الله
اقرأ القرآن احفظ القرآن
فكما انه رقي ورفع في الدرجات وشافع ومتوج صاحبة بتاج الوقار وغير ذلك في الآخرة
فإنه رقي في الدنيا ورفعة ومكانة ونور وهدى وبركة على صاحبه ووالديه واهله ومعلمه
مبارك من حمله ، يحس بهذه البركة ويلمسها عند ختمه في سلوكه ومظهره وكلامه ومنطقه
ومجلسه وبيته وفي أهله وأولاده ، بركة على روحه وجسده ، بركة في دعائه ورقيته
بركة على ذاكرته وتحصيله للعلوم ، بركة بهدايته وتوفيق الله وحفظه لحامله
وبركة وبركة وبركة
فاحفظ القرآن واجعله قبل كل شيء
القرآن خير من النوم
القرآن خير من اللهو
القرآن خير من كل علم
القرآن خير من النت
القرآن خير القيل والقال
القرآن خير من الكرة
القرآن خير من الدنيا وما فيها
فحي على القرآن