أحد النماذج المشرفة في الإسلام والذي سماه النبي -صلى الله عليه وسلم -غسيل الملائكة وهو حنظلة ابن آبي عامر الأنصاري، وهو صحابي شاب ينتمي إلى قبيلة بني عوف، دخل في الإسلام مع الأنصار عندما هاجر النبي إلى المدينة المنورة، وأما والده، فقد كان على ملة الكفر، وكان قد هاجر إلى مكة فور هجرة النبي الى المدينة، وقد اعد العدة ليشارك مع جيش قريش، وأما حنظلة فقد كان في مقتبل العشرين من عمره عندما استشهد، وكان هذا الصحابي الجليل قد طلب من النبي بالخطبة من فتاة تدعى جميلة بنت عبد الله بن ابي بن سلول (زعيم النفاق).
وحسب ما تشير الروايات، ان حنظلة استأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالزواج منها والدخول عليها، فأذن له ، وقد حدث ذلك في اليوم السابع من غزوة احد، وقد هرع حنظلة من فراشه ليلة زفافه عندما سمع صوت ينادي الى الجهاد، فلبى حنظلة النداء، ومقام من مقامه، وأسرع إلى ساحة الحرب دون أن يغتسل، وقد أعجله نداء الجهاد واللهفة لقتال الكفار عن الاغتسال، ليلتحق بجند رسول الله وهو يرتب الصفوف ويشحذ الهمم، وعندما قاتل المشركون المسلمون، انبرى حنظلة لأبي سفيان ليجتث عرقوب فرسه، فانكب ابو سفيان على الأرض يصيح في قريش قائلا" يا معشر قريش، أنا أبو سفيان بن حرب، وحنظلة يحاول ذبحي بسيفه، فهرع الأسود بن شعوب لنجدة ابي سفيان، فضرب حنظلة برمحه فسقط هذا الرجل على الأرض، وعندها اغتنم أبو سفيان الفرصة للفرار جاثيا على الأرض، فلحق به حنظلة يريده ، فهرع بعض القرشيين لعون أبي سفيان، فلقيه رجل مشرك يدعى شداد بن الأسود وطعنه من الخلف ضربة قاتلة، فسقط حنظلة على الأرض شهيدا. وعندما فرغ المسلمون من المعركة، بدا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بتحدث عن حنظلة وشأنه العظيم قائلا: ان صاحبكم تغسله الملائكة فسألوا زوجته ما شأن حنظلة؟ فرجع الصحابة-رضوان الله عليهم- الى بيت حنظلة، وسألوا زوجته عن شأنه، فقالت: سمع نداء الحرب، وخرج وهو جنب دون أن يغتسل، ولم يتأخر عن الاغتسال، وعندما بلغ النبي ما قالته زوجة حنظلة، التفت قائلا: "لقد رأيت الملائكة تغسله في صحائف الفضة، بماء المزن، بين السماء والأرض"، وهذه كرامة من الله عز وجل ان يغسل بماء المزن وهو الماء النقي الذي يناسب نقاء القلب ولذلك يسميه النبي بغسيل الملائكة، ويروى ان الصحابة-رضوان الله عليهم- عندما وجدوا جثمان حنظلة بين القتلى، وجدوا رأسه يقطر ماء، وهذه دلالة على صدق حديث رسول الله، فكان هذا الصحابي مدعاة للتفاخر، فقد تفاخر به الأوس عن الخزرج كما تشير الروايات.