بدأت أطوار العمارة الإسلامية العثمانية بالدور التمهيدي، ثم تلاه الدور الأول المُسمى دور بورصة الذي انتهى مع وفاة السلطان محمد الثاني الفاتح، ثم بدأ الدور الثاني بعهد السلطان أبايزيد الثاني من سنة 886هـ/ 1481م، وانتهى بنهاية عهد السلطان محمد الثالث سنة 1012هـ/ 1604م.
وأطلق المؤرخون على هذا الدور باللغة العثمانية اسم ( قلاسك دوري ) أي: الدور الكلاسيكي التقليدي، و يُمثل هذا الدور قمة ما وصلت إليه العمارة الإسلامية من تطور فني زخرفي وهندسي.
العمارة العثمانية عهد بايزيد الثاني:
وقد شهدت بداية هذا الدور نهضة عُمرانية رائعة أيام السلطان بايزيد الثاني بن السلطان محمد الفاتح الذي ورث عن والده سلطنة عالمية هي الأوسع مساحة، والأكثر سكانا وتنوعا بشريا وقوميا وثقافيا ودينيا، وهي الأولى عسكريا وعلميا وصناعيا وعمرانيا، وهذه المواصفات أمّنت الرخاء لعهد السلطان أبايزيد الثاني، فظهر الإبداع الأدبي والفني، فعلى مستوى الخط العربي أنجب هذا العهد الخطاط الشيخ حمْد الله الأماسي الذي تتلمذ على يديه خيرة الخطاطين المسلمين.
أما على الصعيد المعماري فقد بنيت في زمان السلطان أبايزيد الثاني: 651 منشأة معمارية الأراضي العثمانية في أسيا وأوربا، وذلك من سنة 886هـ/ 1481م حتى سنة 918هـ/ 1512م، وانتشر العمران الإسلامي في اليونان، وبلغاريا، ومقدونيا، وصربيا، والجبل الأسود، والبوسنة والهرسك، وألبانيا، وكرواتيا، وشبه جزيرة القرم.
وقد توزعت أنواع العمائر الإسلامية العثمانية في زمانه على النحو التالي:
بلغ عدد الجوامع والمساجد: 248، وبلغ عدد المدارس والمكتبات: 45، وبلغ عدد الكُتَّاب: 73، وعدد دور القرآن الكريم ودور الحديث النبوي الشريف 3، وعدد العمائر الحكومية: 34، وعدد دور الشفا:1، وعدد الزوايا والتكايا والخانقاهات: 26، وعدد التُرب والأضرحة: 35، وعدد الأسواق الكبرى "البدستانات": 9، وعدد الخانات ودور المسافرين "قروان سراي": 54، وعدد الحمّامات للذكور والإناث: 84، وعدد الأسبلة وتأسيسات المياه:16، وعدد القصور والأكشاك والسراي: 6، وعدد الجسور: 8، وعدد القلاع:7، ودار واحدة لضرب النقود "ضرب خانة" ودار واحدة لثناعة البارود "بارود خانة".
ومازال موجود حتى الآن: 229 أثر من الآثار المعمارية المتنوعة العائدة إلى عهد السلطان بايزيد الثاني. وهنالك 164 بناء صالح للاستعمال، وتمكنت الدوائر التركية المتخصصة من تثبيت أماكن 648 أثر معماري من أصل 651 أثر من عهد السلطان أبايزيد الثاني.
وفي أيام السلطان بايزيد الثاني أخذت عدة مدن أوربية طابع المدينة الإسلامية مثل مدينة إسطنبول التي بنيت فيها: 177 منشأة إسلامية، و مدينة أدرنة التي بنيت فيها: 43 منشأة إسلامية، ومدينة سيلانيك اليونانية التي بنيت فيها: 15 منشأة إسلامية، ومدينة سيرز اليونانية التي بنيت فيها: 10 مُنشآتٍ إسلامية، ومدينة اسكوب؛ أي: اسكوبيا عاصمة مقدونيا الحالية التي بنيت فيها: 20 مُنشأة إسلامية، ومدينة ناردا اليونانية التي حظيت بتسع منشات إسلامية.
وبنيت أبنية إسلامية في غير ما ذكرناه من المدن العثمانية، ورحل السلطان أبايزيد الثاني من دار الفناء إلى دار البقاء، وخلف لنا أثارًا عمرانية رائعة مازالت تحمل اسمه حتى العصر الراهن، كمُجمّع أبايزيد الثاني في إسلامبول المكون من الجامع والمدرسة والكلية والمكتبة والتربة والمرصد، ومجمّع أبايزيد في أماصيا الذي يضم الجامع والكلية والمكتبة والقنطرة، ومجمع أبايزيد في مدينة أدرنة الذي يتألف من الجامع والكلية الطبية والمدرسة، وقد نبغ في زمان السلطان أبي يزيد الثاني المعمار خير الدين الذي مازالت آثاره المعمارية قائمة حتى الآن.
أنواع الجوامع التي بنيت في عهد أبايزيد ابثاني:
امتازت العمارة الإسلامية في عهد أبي يزيد الثاني بميزات هندسية متطورة تتصف بالتعددية، ويمكننا رصد العديد من الفوارق والتنوع الهندسي في تلك الفترة.
فعلى صعيد سقوف الجوامع والمساجد يمكننا رصد نوعين أساسيين:
الأول: هو السقف الهرمي المكون من الأخشاب التي يعلوها القرميد، ولها مئذنة واحدة إما عن يمين أو شمال المسجد من الناحية الخلفية المجاورة للرواق؛ ورواق أمامي فوق المدخل الرئيسي مكون من ثلاث قباب مرفوعة على خمسة أعمدة وقناطر بالإضافة إلى جدار الجامع أو المسجد.
والثاني: هو السقف بقبّة واحدة مع رواق أمامي بثلاث قباب، وجوامع هذا النوع لها مئذنة واحدة إما عن يمين أو شمال المسجد من الناحية الخلفية المجاورة للرواق، وقد بلغ عدد الجوامع والمساجد ذات السقوف الهرمية: 55 تقريبا، أما المساجد والجوامع المعروفة التي سقفت بقبة واحدة فقد بلغ عددها: 28 تقريبا.
أما النوع الثالث من جوامع عهد السلطان أبايزيد الثاني فيتكون سقفه من قبة وسطية كبرى، ومحراب متقدم عن الجدار على شكل نصف دائرة، وتوجد مجموعة قباب صغيرة عن يمين وشمال القبة الوسطى من الناحية الخلفية تخصص لِمُصلى الحريم، ويتكون رواق هذا النوع من الجوامع من خمس قباب مرفوعة على جدار الجامع الشمالي؛ وستة أعمدة تصل ما بينها القناطر.
ويوجد من هذا النوع جامع داود باشا في إسطنبول الذي يعود تاريخ بنائه إلى سنة 862هـ/1485م، وبني من هذا الطرز في نفس السنة جامع الخاتونية في مدينة طوقات التركية، وجامع محمد باشا في مدينة آماسيا الذي يعود تاريخ بنائه إلى سنة 863هـ/ 1486م، ومنه جامع أبي يزيد الثاني في مدينة أدرنة الذي يعود تاريخ بنائه إلى سنة 892هـ/ 1487م، وجامع محمد بيك في مدينة سيريز الذي يعود تاريخ بنائه إلى سنة 897هـ/ 1492م، وجامع حسين بيك في إنجيك الذي يعود تاريخ بنائه إلى سنة904هـ/ 1498م، وجامع يحيى باشا في العاصمة المقدونية سكوبيا الذي يعود تاريخ بنائه إلى سنة 909هـ/1503م، وجامع الخاتونية في مدينة طرابزون التركية الواقعة على ساحل البحر الأسود الذي يعود تاريخ بنائه إلى سنة 920هـ/ 1514م. ولهذا النوع مئذنتان عن يمين وعن شمال المسجد من الناحية الخلفية المجاورة للرواق.
وأما النوع الرابع من أنواع الجوامع التي بنيت في عهد السلطان أبايزيد الثاني فيتكون سقفه من قبتين إحداهما قبلية من ناحية المحراب، والثانية من ناحية الباب الرئيسي للجامع، وتستند القبتان على قنطرة وسطى، وتجاور القبة الخلفية قبتان صغيرتان إحداهما عن مؤخرة يمن القبة وثانيتهما عن شمالها، ولهذا النوع من المساجد رواق مكون من خمس قباب دائرية صغرى مرفوعة على ستة أعمدة وقناطر بالإضافة إلى جدار الجامع من ناحية الباب. ولهذا النوع مئذنتان عن يمين وعن شمال المسجد من الناحية الخلفية المجاورة للرواق، ويوجد من هذا النوع جامع عمارة آلاجة في مدينة سلانيك اليونانية الذي يعود تاريخ بنائه إلى سنة 889هـ/ 1484م، وجامع تاج الدين باشا في بلدة الوزير كوبريلى.
والنوع الخامس من أنواع الجوامع التي بنيت في عهد السلطان أبايزيد الثاني يتكون سقفه من ثلاث قباب متجاورة من اليمين إلى اليسار، ومن هذا النوع جامع قره داود باشا في إسطنبول الذي يعود تاريخ بنائه إلى سنة 915هـ/ 1509م. ومئذنة هذا النوع موجودة عن يمين الجامع من الناحية الخلفية القريبة من الرواق.
والنوع السادس من أنواع الجوامع التي بنيت في عهد السلطان أبايزيد الثاني يتكون سقفه من ست قباب متجاورة قبتان عن اليمين، وقبتان في الوسط، وقبتان عن الشمال وترتفع القباب على الجدران من الخارج وعلى القناطر القائمة على الأعمدة من الداخل، ولهذا النوع رواق مكون من ثلاث قباب مرفوعة على أربعة أعمدة وقناطر، ومن هذا النوع جامع الخاتونية في آماسيا الذي بُني سنة 915هـ/ 1509م، وجامع عتيق علي باشا في محلة زنجيرلي كوي في مدينة إسطنبول الذي يعود تاريخ بنائه إلى سنة 1509م. وجامع حسين آغا في سونيسا سنة 916هـ/1506م. ومئذنة هذا النوع موجودة عن يمين الجامع من الناحية الخلفية القريبة من الرواق.
والنوع السابع من أنواع الجوامع التي بنيت في عهد السلطان بايزيد الثاني يتكون سقفه من قبة وسطية كبرى، وعن يمينها قبتان إحداهما قبلية والثانية خلفية، وعن شمالها قبتان مثلهما، ولهذا النوع رواق مكون من خمس قباب مرفوعة على ستة أعمدة وقناطر، ومن هذا النوع جامع آخي جلبي في إسطنبول، وجامع عيواظ بيك الذي بني في مانيسا سنة889 هـ/ 1484م، وجامع الخاتونية في مانيسا الذي بني سنة 890هـ/ 1490م، وجامع كوزالجة حسن بيك في خيربولو الذي بني سنة 905هـ/ 1499م. ومئذنة هذا النوع موجودة عن شمال الجامع من الناحية الخلفية القريبة من الرواق.
والنوع الثامن من أنواع الجوامع التي بنيت في عهد السلطان بايزيد الثاني يتكون سقفه من قبة وسطية دائرية كبرى، وقبة نصف دائرية تعلو المحراب من الناحية القبلية، وعن يمين القبة الدائرية الوسطى قبتان أصغر منها إحداهما قبلية والثانية خلفية، وعن شمالها قبتان مثلهما، ولهذا النوع رواق مكون من خمس قباب مرفوعة على ستة أعمدة وقناطر، ومن هذا النوع جامع داود باشا الذي بني في إسطنبول سنة 890هـ/ 1485م، وجامع عتيق علي باشا في إسطنبول الذي بني سنة 901هـ/ 1496م. ومئذنة هذا النوع موجودة عن شمال الجامع من الناحية الخلفية القريبة من الرواق.
والنوع التاسع من أنواع الجوامع التي بنيت في عهد السلطان أبايزيد الثاني يتكون سقفه من قبتان وسطيتان دائريتان كبيرتان إحداهما قبلية متقدمة عن البناء نحو القبلة، والثانية خلفية، وعن يمين القبة الخلفية ومؤخرة القبة القبلية توجد ثلاث قباب دائرية صغرى متجاورة على نسق يوازي المسافة الممتدة مابين الباب والمحراب، وثلاث قباب مثلها من ناحية الشمال.وترتفع القباب الكبرى والصغرى على الجدران والقناطر المرفوعة على أربعة أعمدة داخل الجامع، ولهذا النوع رواق مكون من خمس قباب مرفوعة على ستة أعمدة وقناطر، ومن هذا النوع جامع داود باشا في لاديك، وجامع السلطان أبايزيد الثاني الذي بني آماسيا سنة 892هـ/ 1486م. ومئذنة هذا النوع موجودة عن شمال الجامع من الناحية الخلفية القريبة من الرواق.
والنوع العاشر من أنواع الجوامع التي بنيت في عهد السلطان با يزيد الثاني يتكون سقفه من قبة وسطية دائرية كبرى تتقدمها من ناحية القبلة قبة نصف دائرية، وتوجد خلفها من ناحية الباب قبة نصف دائرية أيضا، وتوجد أربع قباب عن يمين القباب الوسطى، واربع قباب عن شمالها، وعن يمين القبة الصغرى الخلفية توجد قبة تحيط بها أربع قباب أصغر منها، وكذلك الحال عن الناحية الشمالية، وخلف القبة الصغرى اليمينية المتطرفة توجد المئذنة اليمينية، وكذلك هو الحال بالنسبة للناحية الشمالية.
وتشكل المسافة ما بين المحراب والمئذنة اليمينية والمحراب والمئذنة الشمالية مثلثًا متساوي الساقين، وينتصب الرواق فوق الباب الرئيسي ويتكون من ست قباب دائرية مرفوعة على الأعمدة والقناطر، ويوازيها نفس العدة من القباب من ناحية مدخل صحن الجامع الشمالي الغربي، ونفس العدد من القباب عن يمين وشمال صحن الجامع، وأفضل نمذج لهذا النوع هو جامع السلطان بايزيد الثاني الذي بني في إسطنبول سنة 911هـ/ 1505م.
منقول