بسم الله الرحمن الرحيم
عرف الدور الفقهي نساءاً اشتهرن بالفضل الباهر والتقدّم الظاهر مما يندر وجود أمثالهن، كنّ قد أحطن بالمعارف العلمية على اختلاف أنواعها، وتوسّعن في فهم الفقه واستيعابه وتبحرن في أحاديث الأحكام حتى صرن مضرب الأمثال في فهم الدين والتفقه فيه، تتخيّر الواحدة منهن أحيانا لنفسها في استنباط الأحكام وتتصدّر الإفتاء والتدريس وتصنّف الكتب ويقرأ عليها النساء والرجال على السواء ، ويرتحل إليها أعلام عصرها يستجيزونها.
فهذه الشيخة الصالحة أم زينب فاطمة بنت عياش بن أبي الفتح بن محمد البغدادية (714هـ) كانت من العالمات الفاضلات، تحضر مجلس الشيخ تقي الدين بن تيمية، وتستفيد منه ومن غيره، وكان ابن تيمية يتعجب من حرصها وذكائها حتى أثنى عليها وكان يصفها بالفضيلة والعلم، ويذكر عنها أنها كانت تستحضر كثيراً من المغني أو أكثره، ولذلك كان يستعدّ لها من كثرة مسائلها وحسن أسئلتها وسرعة فهمها. وقد انتفع بها نساء أهل دمشق، ثمّ لمّا تحولت إلى القاهرة حصل بها النفع وارتفع قدرها وبعد صيتها، وكانت قد تفقهت عند المقدسيين.
وهذه أم محمد زينب (722هـ) بنت أحمد عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسي يرتحل إليها الطلبة، وحدثت بمصر والمدينة المنورة.
وأم عبدالله زينب (740هـ) بنت الكمال أحمد بن عبدالرحيم المقدسية التي تفردت وروت كتبا كبارا حتى تكاثر عليها الطلبة وتزاحموا للأخذ عنها، وكان ممّن قرأ عليها ابن أختها شمس الدين محمد (789هـ) ابن المحب الحنبلي المعروف بالصامت، والشيخ سعد بن عبدالله السبكي (799هـ).
وهذه مريم ستّ القضاة (758هـ) بنت الشيخ عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالرحيم الحنبلية التي أجازت لولدها شمس الدين بن عبدالقادر النابلسي، وذكر ابن حجر أنها أجازت كذلك لشيخته فاطمة بنت خليل الحنبلية.
وهذه زينب (799هـ) بنت عبدالله بن عبدالحليم بن تيمية الحنبلية بنت أخي الشيخ تقي الدين، قد سمعت من أعلام عصرها وأجازت للشيخ ابن حجر العسقلاني.
وكان ممن أجاز لابن حجر كذلك من أعلام النساء في القرن الثامن:
خديجة بنت العماد أبي بكر بن يوسف بن عبدالقادر الخليليّة (802هـ) ثمّ الصالحيّة،
وشمس الملوك (803هـ) بنت ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن أبي بكر الدمشقية،
وأم عمر(805هـ) كلثوم بنت الحافظ تقي الدين محمد بن رافع السلامي الدمشقية،
وسمع على زينب (803هـ) بنت العماد أبي بكر بن أحمد بن محمد بن جعوان،
وسمع من ست الكلّ (803هـ) بنت أحمد بن محمد الزين،
وسمع كذلك من خديجة (803هـ) بنت أبي بكر بن عبدالملك الصالحية المعروفة ببنت اللورى،
ومن عائشة (803هـ) بنت أبي بكر بن محمد بن عمر بن قوام البالسية، الصالحية.
وكان ابن حجر قد قرأ الكتب الكثيرة على أم يوسف فاطمة بنت محمد بن عبدالهادي المقدسية الصالحية الحنبلية (803هـ) ومدحها بقوله: ونعمة الشيخة كانت.
كما قرأ على أم عيسى (806هـ) مريم بنت أحمد بن أحمد بن شمس الدين محمد بن إبراهيم الأذرعي، الكثير من مسموعاتها، وأشياء كثيرة بالإجازة، ومدحها بقوله: ونعمة الشيخة كانت ديانة وصيانة ومحبّة فى العلم.
وروى عن عائشة (816هـ) بنت محمد بن عبدالهادي بن محمد بن قدامة المقدسي الأصل أبوها، الصالحية الحنبلية المذهب، وقرأ عليها كتباً عديدة، واخذ عنها الأئمة.
وسمع عن سارة (805هـ) بنت عليّ بن عبدالكافي السبكي.
وهذه دهماء (837هـ) أخت الإمام المهدي أحمد بن يحيى، كانت عالمة فاضلة، أخذت العلم عن أخيها وقرأت عليه، ثمّ صنّفت شرحاً لمنظومة الكوفي في الفقه والفرائض، وشرحت مختصر المنتهى، وكانت تدرس الطلبة بمدينة ثلا حتى توفيت هناك.
وكذلك كانت فاطمة بنت الإمام المهدي أحمد بن يحيى مشهورة بالعلم، ولها مع والدها مراجعات في مسائل فقهية، حتى قال والدها: إنّ فاطمة ترجع إلى نفسها في استنباط الأحكام، وكان زوجها الإمام المطهر يرجع إليها فيما يشكل عليه من مسائل، وإذا ضايقه طلبة العلم في بحث، دخل إليها فتفيده الصواب، فيخرج بذلك إليهم، فيقولون ليس هذا منك، وإنّما هو من خلف الحجاب.
وهذه ست العيش (840هـ) أمّ عبدالله وأم الفضل عائشة بنت القاضي علاء الدين بن محمد بن علي الكنانية العسقلانية الأصل، ثمّ المصريّة الحنبلية، حضرت على جدّها فتح الدين القلانسي، وسمعت من العزّ ابن جماعة، والقاضي موفق الدين الحنبلي، وناصر الدين الحراوي، ولها إجازة من محبّ الدين الخلاطي وجماعة من الشاميين والمصريين، وأكثر عنها الطلبة وسمع عليها الأئمّة وكانت من الذكاء على جانب كبير تطالع كتب الفقه فتفهم وتحفط.
وأم عبدالله نشوان بنت جمال الدين عبدالله بن عليّ الكنانية ثمّ المصرية الحنبلية (877هـ) روى عنها جماعة من الأعيان منهم القاضي كمال الدين الجعفري النابلسي، وكان قريبها قاضي الحنابلة عز الدين الكناني لا يقوم لمن يدخل عليه بيته من النساء إلاّ لها لعلوّ همتها وعقلها وتدبيرها، وقد حمد طلبة العلم محبتها فيهم وصبرها عليهم.
وهذا التقي الفاسي المالكي شيخ الحرم قد سمع بالمدينة من فاطمة ابنة الشهاب الحرازي، وقرأ بالقاهرة على مريم ابنة الأذرعي.
وهذا إبراهيم بن علي بن عطية بن ظهيرة (891هـ) الشافعي عالم الحجاز ورئيسه قد أجاز له علماء كثيرون منهم: جدّته لأبيه كمالية ابنة القاضي تقي الدين الحراني، وجدّته لأمّه كمالية ابنة القاضي علي النويري.
وكان محب الدين أبو بكر أحمد بن شرف الدين (916هـ) خطيب الخطباء بالمسجد الحرام -الشافعي-، قد اخذ على جدّته لأمه أم الفضل خديجة، وتدعى سعادة بنت وجيه الدين عبدالرحمن بن أبي الخير.
وهذه عائشة بنت يوسف بن أحمد بن ناصر بنت الباعوني المعروفة بالباعونية (922هـ) العالمة العاملة التي نالت من العلوم حظاً وافراً، قد أجيزت بالإفتاء والتدريس، وألّفت عدّة مؤلفات، ووضعت الشروح، ولخّصت المصنفات واختصرت الكتب، وكتبت الأراجيز.
وهذه الشيخة الصالحة المتفقهة الحنفية خديجة (830هـ) بنت محمد بن حسن البابي الحلبي المعروف بابن البيلوني الشافعي، تختار مذهب أبي حنيفة مع أنّ أباها وأخوتها شافعيون.
المصدر: تاريخ الفقه الإسلامي ، إلياس دردور (ص 1232 - 1237)
منقول