لماذا لا تزال فكرة الوحدة تسكن التيار الإسلامي دون غيره من التيارات الوطنية والديمقراطية في الجزائر؟
الوحدة كهدف وكممارسة داخل التيار الإسلامي الإخواني بمختلف أحزابه لم تعد قائمة كما كانت في بداية عهد ظهور هذه الأحزاب، فقد عرفت هذه التنظيمات الكثير من الانشقاقات، ما قد يجعل الوحدة هدفا صعب المنال.
انشقاقات وعدم اتفاق راجع في عمومه إلى عدم حضور الزعامات المقبولة من قبل الجميع أو الأغلبية فقد اختفى الشيخ نحناح وترك قيادات الصف الثاني التي تتشابه كثيرا فيما بينها، ما جعل من الصعب أن تحصل على الشرعية التي حصل عليها الشيخ المؤسس، كما قلت في إحدى المرات إن الأحزاب الإسلامية وليس حمس فقط تشبه الجيش الذي ليس على رأسه جنرال، فقط مجموعة من الملازمين الذين يريد كل واحد منهم الوصول إلى القمة، وهو ما يخلق الانشقاق وعدم الالتفاف، كما عرفته أحزاب عبد الله جاب الله المختلفة ومازالت. هذا ما يجعلني أقول إن الوحدة بالنسبة إلى هذه الأحزاب ستبقى حلما من الصعب تحقيقه على المدى المنظور.
تجربة التكتل الأخضر كانت تجربة تكتل بين الأحزاب الإسلامية تبدو حمس غير متحمسة لها هذه المرة.. ما هي الأسباب باعتقادك؟
التكتل الأخضر غير مفيد لحمس التي لا يضيف لها قوة بل يزيدها ضعفا، فالجماعات التي تحالفت معها تعرف حالة ضعف كبيرة، يجعل التحالف معها مغامرة كبرى غير محمودة العواقب، جراء الضعف الذي يعيشه عموما التيار الإسلامي الإخواني عندنا لأسباب موضوعية وذاتية، فهو لم يستطع حتى استغلال أحداث الربيع العربي لصالحه، كما كان الحال لأحزاب هذا التيار في دول أخرى.
ومن بين هذه الأسباب الموضوعية أن هذا التيار ليس لديه ما يقترحه على الجزائريين، فهو من دون مشروع اقتصادي ومن دون حجة سياسية، إلا ذلك الغلاف السياسي الديني الذي لم يعد يقنع، خاصة وهو يعيش أزمة في بلد المنشأ مصر.
عموما لا أتصور تحالفات بين الأحزاب السياسية وهي تدخل الانتخابات ليس فقط داخل التيار الإسلامي. فنحن أمام تنظيمات سياسية ضعيفة مقابل طموحات النخب التي تستعمل الانتخابات كوسيلة ترقية، وهي على استعداد للدوس على كل شيء للوصول إلى مبتغاها أي قبة البرلمان.
هل يمكن للأحزاب الإسلامية أن تجد تكتلات جديدة شبيهة بتشريعيات 2012، أم أن لتلك الفترة سياقاتها الخاصة؟
لا أظن أننا سنرى تكتلات، لا داخل التيار الإسلامي ولا خارجه، فالنخبة السياسية عندنا مازالت في مرحلة الصفر السياسي، أي السياسة بمعناها الترقية الفردية والشللية الفجة. حتى يكون هناك تحالف لابد من برنامج سياسي واضح الملامح، يتم التفاوض حوله وخيارات استراتيجية أوضح، بمعنى آخر، الحزب السياسي الجزائري مازال من دون برنامج ولا رؤية، ولا يوجد إلا مصالح الأفراد التي لا تقبل القسمة، في وقت تقلصت فيه القاعدة الاجتماعية وقلت فيه فرص النجاح.
يدور نقاش عن بعد بين الإسلاميين حول الموقف من التشريعيات، بين من يرى ضرورة المشاركة ويبرر لها (حمس)، ومن يعتقد بأن مقاطعة النظام ككل هي الأسلم (جاب الله).. لماذا هذا التباين الحاد في اعتقادك؟
فيما يخص هذا النقاش، في اعتقادي أن دخولها سيكون هو الغالب، لأنه لا يجب أن ننسى طموحات المناضلين الذين يريدون الوصول إلى مواقع السلطة مهما كانت جانبية. عدم مراعاة عبد الله جاب الله لمصالح المناضلين الذين معه، سيجعله يدفع الثمن سياسيا بانشقاقات وتصدعات أخرى في حزبه. هذا الحال ينطبق على أغلبية أحزاب الزعيم، كما هو حال الأفافاس عندما كان يقوده الدا الحسين، رحمه الله.
على ضوء ذلك، كيف تتوقع خارطة الإسلاميين في الانتخابات التشريعية وموقعهم فيها؟
الكثير من المؤشرات توحي بأن وضع الإسلاميين لن يكون جيدا في الانتخابات المقبلة، بل قد يتعرضون إلى تقهقر، فحركة مثل النهضة يمكن أن تختفي تماما من الساحة، وهو نفس حال الإصلاح وجبهة التغيير، أقصد اختفاءها في نتائج التشريعيات. وحتى حمس يمكن أن تتقلص نتائجها أيضا لعدة مؤشرات توحي بذلك. هذه الأحزاب تدخل الانتخابات وهي غير متفقة على خيارات محددة، وتدخل كذلك بقانون انتخابات غير مساعد كما هو الجو السياسي الذي يعيش حالة تشنج من قبل السلطة.
يفترض أيضا أن يكون تدخل المال السياسي أكثر حضورا في الانتخابات المقبلة، بما قد لا يساعد الأحزاب الصغيرة على الصمود في المنافسة التي لا يمكن تصور أن تكون نزيهة في نهاية الأمر، فالانتخابات المقبلة ستشبه الانتخابات التي سبقتها في أحسن الفرضيات.
هل ما يجري حاليا في حركة مجتمع السلم (بين مقري وأبو جرة) هو ظاهرة صحية في حمس تتعلق بالنقاش الديمقراطي الطبيعي داخلها، أم أنه خلاف ناتج عن أزمة عميقة داخل الحركة؟
ما يحصل داخل حمس ليس جديدا، فالتيار الذي يطالب بالعودة إلى أحضان السلطة، اختفى مؤقتا لكنه عاد للظهور من جديد وبقوة ربما أكثر، لأن الاستحقاقات تتطلب ذلك، زيادة على الحجة التي أعطتها له تنسيقية المعارضة التي لم تنجح في خلق ديناميكية قوية، كان يمكن أن تساعد على تغيير موازين القوى داخل حمس لصالح التيار المعارض.
أعتقد أن حقيقة المعاينة السوسيولوجية تقول إن منطق الذهاب نحو السلطة هو الذي يملك شروط السيطرة على المدى البعيد، فحمس لم تخلق بسوسيولوجيتها المعروفة عنها، لكي تعارض، هي حزب سلطة حتى وإن كان على الهامش قيادات حاولت أن تدفع الحركة نحو نوع من المعارضة، وسعت في هذا الطريق بما أمكنها ذلك.
الواقع أن أي تجاوز لهذه الحقيقة السوسيولوجية سيكون مكلفا على المستوى السياسي لها، وهي تعرف على أي حال، أن حمس بمعلميها ورجال أعمالها، أي قاعدة حمس، لا يستطيعون الذهاب بعيدا في طريق المعارضة الذي حتى وإن مشت فيه “حمس” مؤقتا ستعود إلى طبيعتها كحزب مهادن، أقصى ما يطالب به هو تحسين شروط التفاوض مع السلطة والاندماج داخل مؤسسات النظام، للعمل على تهذيبها من الداخل وليس أكثر.
منقول