مناهج الوصول إلى استخراج الأحكام
من القرآن ومن صحيح سنة الرسول عليه السلام
{ومَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}
تأليف
دكتور كامل محمد محمد
يقول تعالى: { مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 73، 74]
قال ابن رشد الحفيد فى كتابه "بداية المجتهد ونهاية المقتصد (1/ 9)": "وَذَلِكَ أَنَّ الْوَقَائِعَ بَيْنَ أَشْخَاصِ الْأَنَاسِيِّ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَالنُّصُوصَ، وَالْأَفْعَالَ وَالْإِقْرَارَاتِ مُتَنَاهِيَةٌ، وَمُحَالٌ أَنْ يُقَابَلَ مَا لَا يَتَنَاهَى بِمَا يَتَنَاهَى."
وسمع قومى هذه المقولة ولم يُمْعِن النظرَ فيها أَحَدٌ، وتناقلها الفقهاء جيلاً بعد جيل، { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ }
يقول تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ } [النحل: 89]
ويقول تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ } [الأنعام: 38]
وقال تعالى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } [النحل: 44]
وقال تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ} [النحل: 64]
ويقول عليه السلام : "... قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ..." [سنن ابن ماجه: كِتَاب الْمُقَدِّمَةِ؛ بَاب اتِّبَاعِ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ][ صحيح وضعيف سنن ابن ماجة (1/ 115) تحقيق الألباني :صحيح ، الصحيحة ( 937 ) ، الظلال أيضا]
تُرى ما هو الحدث الذى ليس فيه نصٌّ أو لا يندرج تحت نصِّ عام؟
إن جميع القضايا التى أعمل الفقهاء فيها الرأى كانت موجودة فى عصر الرسول عليه السلام، ألم تكن البقول والخضروات موجوده واختلفنا فى زكاتها، ألم تكن الغنم المعلوفة موجوده واختلفنا فى زكاتها ، ألم تكن هناك حوامل ومرضعات لنختلف فى أحكام الصيام لهن؟
دع عنك هذا، هل تغير تركيب الإنسان؟ هل تغير السلوك البشرى؟ هل تغيرت إجتماعيات البشر وما بهم من صلات وأنساب؟
ألم يقل الرسول عليه السلام: "...فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ...." [ البخاري: كِتَاب الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛بَاب الِاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
فهل عندما جَدَّت أحداث زادت الأوامر أو كثرت النواهى؟ من يجرؤ أن يقول بهذا؟
" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَتْرُكُونَ أَشْيَاءَ تَقَذُّرًا فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ وَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ فَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلَالٌ وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ وَتَلَا { قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ" [سنن أبي داود : كِتَاب الْأَطْعِمَةِ؛ بَاب مَا لَمْ يُذْكَرْ تَحْرِيمُهُ][صحيح وضعيف سنن أبي داود (8/ 300) تحقيق الألباني :صحيح الإسناد]
ثم هب أن المجتهد لم يصله الحديث ووضع كل عالم لنفسه أصولاً يبنى فقهه عليها؛ ولن نناقش المجتهد فى أصوله فالجميع رضى الله عنهم نووا الخير وعملوا ما بوسعهم وجزاهم ربى كل خير على ما بذلوه....! ثم ماذا؟ وجدنا الفقهاء والأئمة أختلفوا فى اجتهاداتهم؛ فما العمل؟
ألم نؤمر – نحن المسلمون – برد الإختلاف لله والرسول؟ هل من شكٍ فى هذا! {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59] ويحذرنا جلَّ وعلا من مخالفة أمره فيقول تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63]
هل يعتقد مسلم فى غير هذا؟ هل نحن فى سعة من عدم الردِّ لله والرسول؟ ثمَّ هل يمكن أن نردَّ الإختلاف لله والرسول بقوعد أصول الفقه فنختلف مرو أُخرى؟ أم لا بدَّ من وجود بيان من الله ورسوله نستطيع به رفع هذا الإختلاف....؟؟؟
هذا وللحديث بقية وهذا ما أردت التنبيه إليه والله من وراء القصد وهو الهادى إلى سواء السبيل.
منقول