الحديث الثامن والعشرون
عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله تعالى عنه قال : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله ، كأنها موعظة مودع ، فأوصنا . قال : (( أوصيكم بتقوى الله عز وجل ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة )) رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
المفردات : وعظنا : نصحنا وذكرنا .
موعظة : تنويها للتعظيم ، أي موعظة جليلة .
وجلت : خافت .
منها : من أجلها .
ذرفت : سالت بالدموع .
كأنها موعظة مودع : فهموا ذلك من مبالغته صلى الله عليه وسلم في تخويفهم وتحذيرهم ، فظنوا أن ذلك لقرب مفارقته لهم ، فإن المودع يستقصي ما لا يستقصي غير في القول والفعل .
فأوصنا : وصية جامعة كافية .
بتقوى الله : امتثال أوامره ،و اجتناب نواهيه .
والسمع والطاعة : لولاة الأمور ، فيجب الإصغاء إلى كلام ولي الأمر ، ليفهم ويعرف ، وتجب طاعته .
فسيرى اختلافا: في الأقوال والأعمال والاعتقادات .
فعليكم بسنتي : الزموا التمسك بها ، وهي طريقته صلى الله عليه وسلم ، مما أصله من الأحكام الإعتقادية والعملية الواجبة والمندوبة وغيرها .
الراشدين : الذين عرفوا الحق واتبعوه ، والمراد بالخلفاء الراشدين : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي .
عضوا : بفتح العين وضمها غلط .
بالنواجذ: أواخر الأضراس .
بدعة : وهي ما أحدث على خلاف أمر الشارع ، ودليله الخاص أو العام .
يستفاد منه :
1-المبالغة في الموعظة ، لما في ذلك من ترقيق القلوب ، فتكون أسرع إلى الإجابة .
2-الاعتماد على القرائن في بعض الأحوال ، لأنهم إنما فهموا توديعه إياهم بإبلاغه في الموعظة أكثر من العادة .
3-أنه ينبغي سؤال الواعظ الزيادة في الوعظ والتخويف والنصح .
4-علم من أعلام النبوة ، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر بما يقع بعده في أمته من كثرة الاختلاف _ ووقع الأمر كذلك .
5-الأمر بتقوى الله والسمع والطاعة ، وفي هذه الوصية سعادة الدنيا والآخرة ، أما التقوى فهي وصية الله للأولين والآخرين ، وأما السمع والطاعة فبهما تنتظم مصالح العباد في معاشهم ، ويستطيعون إظهار دينهم وطاعاتهم .
6-التمسك بالسنة والصبر على ما يصيب المتمسك من المضض في ذلك ، وقد قيل : إن هذا هو المراد بعض النواجذ عليها .
7-أن الواحد من الخلفاء الراشدين إذا قال قولا وخالفه فيه غيره كان المصير إلى قول الخليفة أولى .
8-التحذير من ابتداع الأمور التي ليس لها أصل في الشرع ، أما ما كان مبنيا على قواعد الأصول ومردودا إليها . فليس ببدعة ولا ضلالة .