الحديث السادس عشر
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : أوصني ، قال : (( لا تغضب فردد مرارا قال لا تغضب )) . رواه البخاري .
المفردات :
رجلا : لعله أبو الدرداء ، والقول بأنه جارية بن قدامة عارضه يحيى القطان بأن جارية المذكور تابعي لا صحابي .
أوصني : وصية وجيزة جامعة لخصال الخير .
لا تغضب : لا تتعرض لما يجلب الغضب ، ولا تفعل ما يأمرك به .
فردد: كرر ذلك الرجل قوله (( أوصني )) يلتمس أنفع من ذلك ، أو أبلغ أو أعم .
مرارا: في رواية عثمان بن أبي شيبة بيان عددها ، فإنها بلفظ (( لا تغضب ثلاث مرات )).
قال : النبي صلى الله عليه وسلم له في المرة الثانية والثالثة .
لا تغضب : فيه بتكرارها على عظيم نفعها وعمومه .
يستفاد منه :
1-معالجة كل ذي مرض بما يناسب مرضه ، إن صح أن النبي صلى الله عليه وسلم خص هذا الرجل بهذه الوصية . لأنه كان غضوبا .
2-التحذير من الغضب فإنه جماع الشر ، و التحرز منه جماع الخير ، وفي هذا الوصية استجلاب المصلحة ، ودرء المفسدة ما يتعذر إحصاؤه ، فإن الغضب يترتب عليه من المفاسد تغير الظاهر والباطن والأثر القبيح في اللسان ، أما تغير الظاهر ، فبتغير اللون والرعدة في الأطراف ، وخروج الأفعال من غير ترتيب ، واستحالة الخلقة ، بحيث لو رأى الغضبان نفسه لا ستحيا من قبح صورته ، وأما الباطن أشد ، لأنه يولد الحقد في القلب والحسد ، وإضمار السوء على اختلاف أنواعه ، بل تغير ظاهره ثمرةتغير باطنه ، وأما أثره في اللسان فانطلاقه بالشتم والفحش الذي يستحى منه العاقل ، ويندم قائله عند سكون الغضب ، ويظهر أثر الغضب أيضا في الفعل بالضرب أو القتل ، وإن فات ذلك بهروب المغضوب عليه رجع الغضبان إلى نفسه فيمزق ثوبه ، ويلطم خده ، وربما سقط صريعا ، وربما أغمى عليه ، وربما كسر الآنية ، أو ضرب من ليس له جريمة في ذلك .
3-الأمر بالأخلاق التي إذا تخلق بها المرء وصارت له عادة دفعت عنه الغضب عند حصول أسبابه ، كالكرم والسخاء ، والحلم والحياء ، والتواضع والاحتمال ، وكف الأذى ،والصفح والعفو، وكظم الغيظ والشر ، ونحو ذلك من الأخلاق الجميلة .